الموضوع الأول: نظام و اجراءات المثول الفوري و الأمر الجزائي

Top Ad unit 728 × 90

جديد

جديد القوانين الجزائرية

الموضوع الأول: نظام و اجراءات المثول الفوري و الأمر الجزائي






جمع الموضوع وعدل عليه: أحمد بلقاسم

نظام و اجراءات المثول الفوري و الأمر الجزائي




المقدمة:

تكمن أزمة العدالة الجزائية في تضخم عدد القضايا المعروضة عليها، و في بطء وتيرة إجراءات الإحالة والفصل في تلك القضايا مما قلل من فعالية الجهاز القضائي برمته، الأمر الذي حدا بأغلب التشريعات المقارنة إلى تبني إجراءات جزائية جديدة من شانها التقليل من عدد القضايا المعروضة على القضاء الجزائي و تبسيط إجراءاتها، وهو الأمر نفسه الذي دفع بالمشرع الجزائري مؤخرا لإدخال العديد من التعديلات على قانون الإجراءات الجزائية بموجب الأمر رقم 15-02 المؤرخ في 23 جويلية 2015 ومن بين تلك التعديلات إدخال إجرائي المثول الفوري و الأمر الجزائي كطريقين من طرق إخطار محكمة الجنح بالدعوى وهما موضوع هاته المداخلة:

الإجراء الأول: المثول الفوري (La Comparution Immédiate) :

- هو الإجراء المستحدث بموجب الأمر رقم 15-02 المؤرخ في 23 جويلية 2015 و الذي تم بموجبه استبدال إجراء التلبس المنصوص عليه في نص المادة 339 من قانون الإجراءات الجزائية كطريق من طرق إخطار محكمة الجنح بالدعوى، و هو إجراء من إجراءات المتابعة التي تتخذها النيابة وفقا لمبدأ الملائمة في إخطار المحكمة بالقضية، و قد ورد التنصيص عليه بالمادتين 333 و 339 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية، و يهدف إلى تبسيط إجراءات المحاكمة فيما يخص الجنح المتلبس بها، و التي لا تحتاج إلى إجراءات تحقيق خاصة، فهي تتعلق بجرائم تكون فيها أدلة الاتهام واضحة و تتسم في نفس الوقت وقائعها بخطورة نسبية سواء لمساسها بالأفراد أو الممتلكات أو النظام العام.
أولا: شروط رفع الدعوى أمام المحكمة المختصة بإجراء المثول الفوري:
أ- الشروط الموضوعية المتعلقة بالجريمة ذاتها :
I
- أن تكون الجريمة المرتكبة تحمل وصف الجنحة و من ثمة فلا مجال للحديث عن المخالفات أو الجنايات المتلبس بها  (م 339 مكرر من قانون الاجراءات الجزائية).
II
- أن تكون الجنحة متلبسا بها ولقد حددت المادة 41 من قانون الإجراءات الجزائية حالات التلبس، و هي :
1- إذا كانت مرتكبة في الحال أو عقب ارتكابها.
أو إذا كان الشخص المشتبه في ارتكابه إياها في وقت قريب جدا من وقت وقوع الجريمة قد تبعه العامة بصياح أو وجدت بحيازته أشياء أو وجدت آثار ودلائل تدعوا إلى افتراض مساهمته في الجناية أو الجنحة.
2- إذا ارتكبت في منزل أو كشف صاحب المنزل عنها عقب وقوعها وبادر في الحال باستدعاء أحد ضباط الشرطة القضائية لإثباتها .
-III أن لا تكون الجنحة المتلبس بها من الجرائم التي تخضع المتابعة فيها لإجراءات تحقيق خاصة،  ويلاحظ هنا أن المشرع لم يستثن جنح الصحافة والجنح ذات الصبغة السياسية من تطبيق هذا الإجراء على عكس ما كان يشترطه بالنسبة لإجراء رفع الدعوى أمام المحكمة بطريق التلبس، كما يلاحظ أن المشرع قد حذف الشرط المتعلق بأن تكون الجنحة المقترفة معاقب عليها بالحبس وفق ما كانت تنص على ذلك المادة 59 من قانون الإجراءات الجزائية بالنسبة لإجراء رفع الدعوى بطريق إجراء التلبس.
ب- الشروط الشخصية المتعلقة بالمشتبه فيه ذاته :
وقد حصرتها المادة 339 مكرر 1 من قانون الإجراءات الجزائية في عدم تقديم المقبوض عليه لــــــــضمانات كـــــــافية للحضور للمحاكمة ،
ج- الـــــــــشـــــــــــروط الإجــــــــــــرائية :
- 1
أن يتم استجواب المشتبه فيه من قبل وكيل الجمهورية عن هويته والأفعال المنسوبة إليه (م 339 مكرر 02 من قانون الإجراءات الجزائية).
- 2إخبار وكيل الجمهورية للمشتبه فيه بأنه سوف يمثل فورا أمام المحكمة (م 339 مكرر 02 من قانون الإجراءات الجزائية).
- 3إبلاغ وكيل الجمهورية للضحية و الشهود بأنهم سوف يمثلون فورا أمام المحكمة (م 339 مكرر 02 من قانون الإجراءات الجزائية).
-4 حق المشتبه فيه بالاستعانة بمحامي عند مثوله أمام وكيل الجمهورية ، و أنه يجب استجوابه حينها من طرف وكيل الجمهورية بحضور محاميه، و ينبغي التنويه بذلك بمحضر الاستجواب (م 339 مكرر 03 من قانون الإجراءات الجزائية).
- 5 وضع نسخة من ملف الإجراءات تحت تصرف المحامي وتمكينه من الاتصال بالمتهم وعلى انفراد في مكان مهيأ لهذا الغرض (م 339 مكرر 04 من قانون الإجراءات الجزائية).
- 6بقاء المتهم تحت الحراسة الأمنية إلى غاية مثوله أمام المحكمة (م 339 مكرر 04 من قانون الإجراءات الجزائية).
ثانيا : إجراءات المحاكمة عند الإخطار بطريق إجراء المثول الفوري :
القاعدة : أن تتم محاكمة المتهم فور مثوله أمام المحكمة لان هذا الإجراء يقوم على مبدأ السرعة في الإجراءات وعلى وضوح القضية المحالة بهذا الإجراء إلا انه يرد على هذه القاعدة استثناءين ورد التنصيص عليهما بالمادة 339 مكرر 5 و هما :
1
- تمسك المتهم بحقه في تحضير دفاعه بعد أن يقوم رئيس الجلسة بتنبيهه بذلك الحق، و هنا تمنحه المحكمة مهلة لا تقل عن ثلاثة أيام لتحضير دفاعه، و نلاحظ هنا أن المشرع لم يحدد الحد الأقصى لهذا التأجيل، لا سيما في حالة ما إذا تقرر حبس المتهم مؤقتا، على غرار ما فعل المشرع الفرنسي ( المادة 397 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي) والذي جعل التأجيل في هذه الحالة محصورا بين أسبوعين وستة أسابيع، غير أنه و طالما أن النصوص القانونية تقرأ مجتمعة وهي تكمل بعضها بعضا فان الحل يبدو في الفقرة الأخيرة من المادة 339 مكرر 5 من قانون الاجراءات الجزائية، و التي جعلت التأجيل في حال لم تكن الدعوى مهيأة للفصل فيها إلى أقرب جلسة ممكنة.
2- إذا رأت المحكمة بان الدعوى غير مهيأة للفصل فيها ( كعدم حضور شاهد أو الضحية أو لكون المتهم تمسك بشاهد نفي و لكون أوراق الملف الجزائي غير تامة سيما عدم وجود شهادة ميلاد المتهم أو صحيفة سوابقه القضائية ...الخ ) وغيرها من العناصر التي ترى المحكمة بأنه من الضروري استيفائها للفصل في الدعوى على أحسن وجه، و هنا تأجل المحكمة القضية لأقرب جلسة ممكنة، لذلك ينبغي أن تحرص النيابة أثناء إشرافها على التحقيق التمهيدي على استجماع كل العناصر الضرورية اللازمة لتمكين المحكمة من الفصل في القضية المعروضة عليها عند أول جلسة، وذلك تحقيقا لمبدأ المحاكمة الفورية التي تعتبر أصل وأساس هذا الإجراء، لذلك نجد مثلا في التشريع الفرنسي ( المادة 393 قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي ) أنه من بين شروط تطبيق إجراء المثول الفوري أن يكون ملف المتابعة مستجمعا لكافة الأدلة والعناصر الضرورية، و ينشأ عن تأجيل المحكمة للدعوى ضرورة البت في وضعية حرية المتهم و ذلك بعد الاستماع لطلبات النيابة والمتهم ودفاعه إن وجد ( المادة 339 مكرر 06 من ق ا ج)
و هنا يجب على المحكمة أن تقرر اتخاذ احد التدابير المنصوص عليها بالمادة 339 مكرر 06 من قانــــــــــــون الإجــــــــــــــــــراءات الـــــــــــــــجزائية و هي:
1- تـــــــــــــــرك الــــــــــــــــــــــــــمتهم حــــــــــــــــــــــــــــرا.
2- إخضاع المتهم لتدبير أو أكثر من تدابير الرقابة القضائية المنصوص عليها في المادة 125 مـــــكــــــــرر 01 مــــــــن قــــــــانون الإجـــــــراءات الجزائية.
3- وضــــــــع الــــــــمتــــــــــهم فـــــــــي الــــــــحبس المؤقت.
و يلاحظ أن المشرع قد وفق كثيرا في ترتيب التدابير المذكورة، و ذلك استجابة منه لمتطلبات مبدأ قرينة البراءة المنصوص عليه في المادة 56 من الدستور، فابتدأ بتدبير ترك المتهم حرا، لأن ذلك هو الأصل، ثم تدرج إلى تقييد حرية المتهم بإحدى تدابير الرقابة القضائية، وصولا إلى تدبير وضع المتهم بالحبس المؤقت و هو التدبير الاستثنائي الأخير، و إن اتخاذ المحكمة لإحدى التدابير السالفة يجب أن يكون مبنيا على معايير موضوعية تجعل من اتخاذها لأي تدبير من تلك التدابير يحقق الغرض منها، لأن الغرض من اتخاذ أي من التدابير المذكورة هو ضمان مثول المتهم أمام المحكمة ولحسن سير إجراءاتها لا غير و عـــــلــــــــــى ســـــــــبـــــــــيــــــــــل الـــــــــــمثـــــــــــــــــال :
أ- ترك المتهم حرا: و هو الأصل ويكون مثلا في الحالات التي:
- يقدم فيها المتهم فيها ضمانات للمثول أمام المحكمة كموطن معروف، ومهنة مستقرة.
- كون ترك المتهم حرا ليس من شأنه التأثير على حسن سير المحاكمة، و ليس من شأنه التأثير على الشهود، و العناصر الأولية للملف يظهر من خلالها بوضوح عدم نسبة الجريمة للمتهم، أو أن التهمة وعلى فرض ثبوتها فإنها لا تستحق عقوبة سالبة للحرية نافذة .... الخ، إلى غير ذلك من عناصر التقدير التي تراها المحكمة مساعدة لها في ترك المتهم حرا.
ويثور التساؤل هنا حول ما إذا كان يجب على القاضي أن يصدر أمرا مسببا ومكتوبا بترك المتهم حرا أم لا ؟ و إن كان لا يوجد ما يمنع من ذلك، فان تسبيب ذلك الأمر و إصداره قد يعد تزيدا لأن المتهم مثل أمام المحكمة أصلا و هو حر، وطالما لم تقيد تلك الحرية ولم تسلب منه فلا طائل من تحرير أمر خاص بتركه حرا، ناهيك عن كون ذلك الأمر غير قابل للاستئناف من أي طرف، و بالتالي تنتفي العلة من تحرير ذلك الأمر، و يكفي أن ينطق به القاضي شفاهة بالجلسة و يشير إليه على حافظة الملف.
ب- إخضاع المتهم لتدبير من تدابير الرقابة القضائية: و يعتبر هذا التدبير من التدابير البديلة عن اللجوء للحبس المؤقت، و يلجأ إليها القاضي كخيار وسط بين ترك المتهم حرا أو وضعه في الحبس المؤقت وذلك عندما يرى بان إخضاع المتهم لإحدى تدابير الرقابة القضائية المنصوص عليها بالمادة 125 مكرر 01 من قانون الإجراءات الجزائية كفيلة بضمان مثول المتهم أمام المحكمة في التاريخ الذي أجلت إليه الدعوى، فإذا قرر القاضي اللجوء إلى تدابير الرقابة القضائية فعليه أن يتخير منها ما يحقق الغرض من توقيعها بالنظر إلى خطورة الوقائع و مدى ثبوتها في حق المتهم و مدى ملائمة كل تدبير مع شخصية المتهم والتي تكون كفيلة بجعله يمتثل للحضور أمام المحكمة في الجلسة التي تم تأجيل القضية لتاريخها، و هنا يجب على القاضي أن يحرر أمرا خاصا يقرر فيه التدبير أو التدابير التي يلزم المتهم التقيد بها، لأنه بناء على ذلك الأمر تتولى النيابة العامة متابعة و تنفيذ تدابير الرقابة القضائية المذكورة  طبقا للمادة 339 مكرر 7 من قانون الإجراءات الجزائية.
- غير أنه لا يترتب على مخالفة المتهم لإحدى تدابير الرقابة القضائية وضعه رهن الحبس المؤقت كما هو الحال بالنسبة لخرق تدابير الرقابة القضائية المقررة من طرف قاضي التحقيق ( المادة 123 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية )، كما يتعين على القاضي وعند فصله في موضوع القضية أن يرفع الرقابة القضائية التي أمر بها، و ذلك لانتهاء علة الأمر بها بالمحاكمة، وهو الأمر الذي يفهم من نص المادة 125 مكرر 03 من قانون الإجــــــــــراءات الـــــــــجـــــــــــــــــزائــــــــــــــــيــــــــــــــــــــــــــــة.
ج- وضع المتهم رهن الحبس المؤقت: جعل المشرع اللجوء لوضع المتهم رهن الحبس المؤقت الخيار الأخير للمحكمة وذلك ينسجم مع طابعه الاستثنائي ( المادة 123 من قانون الإجراءات الجزائية)، و يكون اللجوء إليه عادة في حالة انعدام موطن مستقر للمتهم أو كانت الأفعال جد خطيرة، أو أن الحبس هو الإجراء الوحيد لمنع الضغوط على الشهود أو الضحايا، أو التواطؤ بين المتهمين، أو أن الحبس ضروري لحماية المتهم وغيرها من المعايير التي يمكن لقاضي الحكم أن يستنبطها من نص المادة 123 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية، و المتعلقة بالحبس المؤقت الذي يأمر به قاضي التحقيق، ذلك أن الغرض الأساسي من وضع المتهم الحبس المؤقت هو لضمان مثوله أمام المحكمة ولحسن سير إجراءاتها، و هو لا يشكل عقوبة مسبقة أو تعجيلا بتنفيذ العقوبة المحتمل توقيعها ضد المتهم، لأن معرفة الغاية من الإجراء تؤدي إلى استعماله تحقيقا لتلك الغاية ولا ينحرف به عنها، و يجب على القاضي أن يحرر الأمر بوضع المتهم في الحبس المؤقت، حتى يتسنى للنيـــــــــابـــــــــــة الــــــــــعامــــــــــــــة تـــــــــــنـــــــــــــفـــــــــــــيــــــــــــذه .
-
لذلك فان وضع المتهم رهن الحبس المؤقت لا يترتب عليه إدانة المتهم بالضرورة بتاريخ المحاكمة، لأن القاضي يبني قناعته على ما يدور خلال تلك الجلسة وليس قبلها طبقا للمادة 212 من قانون الإجراءات الجزائية، كما لا يترتب على ذلك عقاب المتهم بعقوبة سالبة للحرية نافذة بالضرورة عند المحاكمة لان تقدير العقوبة الملائمة تستشفها المحكمة أيضا بعد محاكمة المتهم وبناء على العناصر الموضوعية والشخصية التي تستجمعها خلال تلك المحاكــــــــمة و الـــــــــتي قد لا تـــــــــــتوفر لـــــــــــها قـــــــــــبلها .
ملاحظة :
-
إن وضع المتهم في الحبس المؤقت بعد تأجيل الدعوى قد يؤدي إلى خلق نوع من حالة عدم التساوي في مركزه القانوني مع المتهم الذي لا يتم تأجيل دعواه و الذي يشترك معه في نفس الظروف الشخصية والموضوعية، فمثلا: متهم متابع بجنحة حمل سلاح من الصنف السادس دون سبب شرعي و لا يتم تأجيل قضيته و ينطق في حقه بعقوبة ستة أشهر حبسا نافذا فهو سيبقى حرا طليقا لأن القاضي لا يستطيع أن يصدر في حقه أمرا بالإيداع في الجلسة طالما أن عقوبة الحبس المحكوم بها عليه تقل عن سنة وفق ما تشترط ذلك المادة 358 من قانون الإجراءات الجزائية، في حين أن متهم آخر في نفس الوضعية تماما وبنفس التهمة إذا أجلت قضيته وتقرر وضعه الحبس المؤقت فانه عند إدانته بعقوبة ستة أشهر حبسا نافذا سيبقى في حالة إيداع ما لم يقرر رئيس الجلسة الإفراج عنه، و لما كان القاضي يسعى إلى تحقيق المساواة بين الحالات المعروضة عليه التي تتطابق ظروفها الموضوعية و الشخصية، فعليه أن يراعي الحلول القانونية الممكنة لتفادي عدم المساواة غير المرغوبة كعدم وضع المتهم رهن الحبس المؤقت أصلا في مثل هذه الحالات، لان القاضي يحرص على أن لا يؤدي تطبيق النصوص القانونية لخلق وضعيات تخل بمبدأ المساواة أمام القضاء نتيجة ظروف لا يد فيها للمتهم، و إنما تتعلق بقواعد إجرائية بحتة.
-
كما يثور التساؤل حول هل يجب على القاضي أن يفصل في الحبس المؤقت الذي أمر به بعد فصله في موضوع القضية المعروضة عليه؟ لا يوجد أي نص قانوني يلزم القاضي بالفصل في ذلك وتطبق على هذه الحالة القواعد العامة فإذا تم الحكم على المتهم بالبراءة أو بعقوبة الغرامة أو بعقوبة سالبة للحرية مع وقف التنفيذ أو بعقوبة العمل للنفع العام أو كانت مدة العقوبة المحكوم بها عليه قد استنفدت بمدة الحبس المؤقت فانه يفرج عن المتهم بقوة القانون، طبقا لنص المادة 365 من قانون الإجراءات الجزائية، و إلا فان المتهم يبقى محبوسا.
و يجدر التنويه إلى أن جميع الأوامر التي تصدرها المحكمة سواء بترك المتهم حرا أو وضعه تحت الرقابة القضائية أو رهن الحبس المؤقت تكون غير قابلة للاستئناف طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 339 مكرر 06 من قانون الإجراءات الجزائية ،
لقد بينت تجربة العمل بهذا بإجراء المثول الفوري في فرنسا أنه ساهم إلى حد كبير في التقليل من اللجوء إلى الحبس المؤقت إذ بينت إحصائية أجريت على 500 قضية تمت المحاكمة فيها بإجراء المثول الفوري بمحكمة ليون الفرنسية سنة 2007، أن نسبة المتهمين الذين تم إيداعهم الحبس المؤقت ضمن هذا الإجراء لا تتعدى 36,2 بالمائة ، مما يجعل من هذا الإجراء فعال لما يكتسيه من سرعة في الإجراءات و في التقليل من اللجوء إلى الحبس المؤقت.

الإجراء الثاني: الأمر الجزائي  ( l’Ordonnance Pénale )

وهو إجراء من إجراءات المتابعة التي تتخذها النيابة وفقا لمبدأ الملائمة عند إخطار المحكمة بالقضية  وقد ورد التنصيص عليه بالمادتين 333 و 380 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية، و الأمر الجزائي هو أمر بعقوبة الغرامة يصدر عن قاضي الجنح على المتهم بناء على محضر جمع الاستدلالات أو أدلة الإثبات الأخرى بغير إجراء تحقيق وجاهي أو ســــــــــــمــــــــــــــــــاع مــــــــــــــــــرافـــــــــــــــعة.
أولا - أساس الأمر الجزائي: يستمد الأمر الجزائي أصله التاريخي من أمر الأداء المعروف في قانون الإجراءات المدنية والإدارية ( المادة 306 وما بعدها منه)، فإذا كان مبرر استصدار أمر الأداء هو رجحان ثبوت الدين بناء على الوثائق التي يقدمها الدائن بدون الحاجة للوجاهية في الدعوى، فان مبرر استصدار الأمر الجزائي هو رجحان ثبوت الجريمة بناء على محضر جمع الاستدلالات الأولية بدون الحاجة للوجاهية في الدعوى، كما أنه يشترك معه في طريق الطعن فيه بالاعتراض.
ويجد الأمر الجزائي مبرره الواقعي من التطورات الاجتماعية والاقتصادية وتشعب العلاقات بين الأفراد، و وجود مجموعة كبيرة من الجرائم قليلة الأهمية يترتب على إحالتها على المحكمة بالطرق العادية تكدس القضايا و إطالة أمد الفصل فيها لان أزمة العدالة الجزائية هو في تضخم عدد القضايا المعروضة عليها، و رغبة من المشرع كذلك في تحقيق العدالة السريعة وضمان حقوق الأطراف، لذلك تقرر إدخال إجراء الأمر الجزائي في قانون الإجراءات الجزائية، وهو إجراء لا يؤدي إلى حرمان المتهم من حقوقه لان القانون أجاز له حق الاعتراض عليه، وحينها تتم مباشرة الإجراءات العادية في التقاضي،
ويكمن هدف المشرع من تطبيق نظام الأوامر الجزائية في الجنح التي عينها إلى تبسيط إجراءات الفصل في تلك الجرائم وسرعة البت فيها
ثانيا : شروط رفع الدعوى أمام المحكمة المختصة بإجراء الأمر الجزائي :
1- الشروط الموضوعية المتعلقة بالجريمة ذاتها :
أ- أن تكون الجريمة المرتكبة تحمل وصف الجنحة، و من ثمة فلا مجال للحديث لتطبيق هذا الإجراء عن الجنايات أو المخالفات، لان النص القانوني واضح و هو نص المادة 380 مكرر من قانون الاجراءات الجزائية، و قد خص الأمر الجزائي في مادة الجنح دون غيرها من الجرائم الأخرى، و لا اجتهاد مع صراحة النص، و القول بأنه يمكن استصدار الأمر الجزائي بالنسبة للمخالفات يؤدي إلى خلق أمر جزائي في مادة المخالفات وهو الأمر الذي لم ينص عليه المشرع مما يشكل إنتهاكا لمبدأ الشرعية الإجرائية، كما أنه و في التشريع المقارن سيما الفرنسي نجد ما يسمى بالأمر الجزائي في مادة المخالفات يختص به قاضي النيابة وليس قاضي الحكم، إضافة إلى أن المشرع جعل من المخالفات التي يحكم فيها بعقوبة الغرامة فقط غير قابلة للاستئناف ( المادة 416 من قانون الإجراءات الجزائية )
ب- أن تكون الجنحة معاقب عليها بغرامة و/أو بالحبس لمدة تساوي أو تقل عن السنتين.
( المادة 380 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية )
 ج- الوقائع المنسوبة للمتهم قليلة الخطورة ويرجح أن يتعرض مرتكبها لعقوبة الغرامة فقط. ( المادة 380 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية )
 
د- أن لا تكون الجنحة مقترنة بجنحة أو مخالفة أخرى لا تتوفر فيها شروط تطبيق إجراءات الأمر الجزائي. ( المادة 380 مكرر 01 من قانون الإجراءات الجزائية )
ه-  أن لا تكون ثمة حقوق مدنية تستوجب مناقشة وجاهية للفصل فيها.
( المادة 380 مكرر 01 مــــــــن قــــــــانون الإجـــــــــراءات الــــــــجــــــــزائـــــــيــة)
2- الشروط الشخصية المتعلقة بالمتهم ذاته:
 و تتمثل في أن تكون هوية المتهم معلومة( المادة 380 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية ) وأن لا يكون حدثا ( المادة 380 مكرر 01 من قانون الإجراءات الجزائية )، و أن لا يكون ثمة أكثر من متهم واحد فيما عدا المتابعات التي تتم ضد شخص طبيعي و الشخص المعنوي من أجل نفس الأفعال، ( المادة 380 مكرر 07 من قانون الإجراءات الجزائية).
ثالثا - إجراءات و سلطة القاضي في الفصل في الأمر الجزائي :
أ - تقديم طلب استصدار الأمر الجزائي من طرف النيابة لمحكمة الجنح: تتصل محكمة الجنح بملف المتابعة المحال عليها بإجراء الأمر الجزائي مرفقا بطلبات وكيل الجمهورية، و هي الطلبات التي تكون مكتوبة ومتضمنة وقائع القضية و النص الجزائي المطبق و مشفوعة بمحضر جمع الاستدلالات و شهادة ميلاد المتهم وصحيفة سوابقه القضائية.
( المـــــادة 380 مـــــــــــكرر 02 مــــــــن قــــــــانون الإجراءات الجزائيـــــة)
ب – الفصل في الأمر الجزائي من طرف محكمة الجنح :
يفصل القاضي في الأمر الجزائي دون مرافعة مسبقة ( المادة 380 مكرر 01 من قانون الإجراءات الجزائية) و هنا تثور مشكلة هل تفصل المحكمة في الأمر الجزائي في جلسة علنية أو أنه يصدر في غرفة المشورة، سيما أن الأمر الجزائي هو حكم قضائي ( ورد في الفصل الأول في الحكم في الجنح من قــــــــانون الإجراءات الجزائيـــــة) وتسري عليه تبعا لذلك النصوص الخاصة بالأحكام القضائية أين يوجب الدستور النطق بالأحكام في جلسة علنية، المشرع لم يتطرق لهذه النقطة الجوهرية، غير أنه يفهم من عدة إشارات وردت في النصوص القانونية المنظمة لهذا الإجراء انه يتم النطق فيه في غرفة المشورة ومن ذلك ( يفصل القاضي دون مرافعة مسبقة، يحال الأمر فور صدوره على النيابة ، يبلغ الأمر الجزائي بأي وسيلة قانونية للمتهم ) وهي إشارات تبين بان فصل القاضي في الأمر الجزائي يكون في غرفة المشورة ، غير أنه كان يتعين على المشرع حسم هذه المسالة تـــــــــفـــــــــــاديــــــــــــــــا لــــــــــــــــكـــــــــــــل لـــــــــــــبـــــــــــس .
ج- قبول الفصل في طلب الآمر الجزائي :
ويكون فصل المحكمة في الأمر الجزائي إما ببراءة المتهم أو بعقوبة الغرامة، (المادة 380 مكرر 02 من قانون الإجراءات الجزائية) فإذا كان الأمر واضح بالنسبة للعقوبات الأصلية فلا يجوز هنا الأمر بغير الغرامة ولا مجال لتطبيق عقوبة الحبس سواء كان نافذا أو موقوف النفاذ، إلا أن الأمر يضيق بالنسبة للعقوبات التكميلية، هل يجوز للقاضي عند فصله في الأمر الجزائي النطق بها أم لا؟ لان عدد لا باس من الجرائم التي تتوفر على شروط تطبيق الأمر الجزائي تتضمن عقوبات تكميلية خصوصا جنح قانون المرور، ومرة أخرى نلاحظ أن المشرع أغفل هذه النقطة الجوهرية على خلاف ما نص عليه المشرع المصري بالمادة 324 من قانون الإجراءات الجزائية ( لا يقضى في الأمر الجنائي بغير الغرامة التي لا تجاوز ألف جنيه والعقوبات التكميلية وما يجب رده و المصاريف ...) ، الأمر الذي يجعل من عدم التنصيص صراحة على جواز الحكم بالعقوبات التكميلية يجعل من الحكم بها يصطدم بمبدأ شرعية العقوبة، و عليه فلا يمكن الحكم بالعقوبات التكميلية ما دام أن المشرع لم ينص على العقوبات التكميلية، كما أنه لا يوجد ما يمنع جعل عقوبة الغرامة المحكوم بها موقوفة النفاذ إذا ما توفرت شروط الحكم بوقف التنفيذ طبقا للمادة 592 من قانون الإجراءات الجزائية ، لان المشرع لم يشترط أن تكون العقوبة المحكوم بها نافذة و إنما اشــــــــتــــــــرط فـــــــقــــــــط الــــــــحــــــــــكــــــــــم بــــــــعـــــقــــــــوبــــــة الغرامة.
د- رفض الفصل في الأمر الجزائي :
يتعين على القاضي أن يعاين توفر الشروط القانونية لإصدار الأمر الجزائي قبل التطرق لموضوعه، فإذا رأى بان الشروط القانونية غير متوفرة فانه يعيد ملف المتابعة للنيابة لاتخاذ ما تراه مناسبا وفقا للقانون، (المادة 380 مكرر 02 من قانون الإجراءات الجزائية)، ويمكن حصر أسباب رفض القاضي إصدار الأمر في الحالات التالية :
-
أنه لا يمكن الفصل في الطلب بحالتها التي هي عليها بدون تحقيق أو مرافعة.
-
أن الواقعة نظرا لسوابق المتهم أو لأي سبب آخر، تستوجب توقيع عقوبة اشد من الغرامة.
- أن الــــــــمـــــــــتهـــــــــم حــــــــدث أو شــــــــخـــــــــص غـــــيــــــر مــــعلوم الهوية.
- إذا تـــــــمــــــــت مـــــــــتــــــــابعة أكــــــــثـــــــر مــــــــن شــــــــخص طبيعي ، أو شخص طبيعي وشخص معنوي من اجل أفعال مختلفة ،
- اقتران الجنحة بجنحة أو مخالفة أخرى لا تتوفر فيها شروط تطبيق إجراءات الأمر الجزائي.
- وجود حقوق مدنية تستوجب مناقشة وجاهية للفصل فيها.
- كون الجريمة المحالة على المحكمة يعاقب عليها بعقوبة الحبس تفوق السنتين .
غير أن صياغة النص ( يعيد الملف للنيابة ) تطرح إشكالية هل يحرر القاضي أمره برفض الفصل في طلب الأمر الجزائي ويسبب ذلك بعدم توفر شروطه القانونية، أم أنه يقوم بإعادته للنيابة بدون إصدار أمر و ذلك بالتأشير فقط على طلب النيابة، كما أن المشرع لم ينص على جواز أو عدم جواز الاعتراض على هذا الرفض، عكس ما هو موجود في التشريعات المقارنة كالتشريع المصري الذي لا يجيز الطعن صراحة الطعن في تأشيرة الرفض.

هـ – شكل الأمر الجزائي :

طبقا للمادة 380 مكرر 03 من قانون الإجراءات الجزائية فانه يحدد الأمر الجزائي هوية المتهم وموطنه و تاريخ و مكان ارتكاب الأفعال المنسوبة للمتهم ، والتكييف القانوني للوقائع والنصوص القانونية المطبقة وفي حالة الإدانة فانه يحدد العقوبة، و يكون الأمر مسببا.
وإذا كانت البيانات المتعلقة بهوية المتهم و وقائع القضية من البيانات التي لا جدال فيها، فان طريقة تسبيب ذلك الأمر يجب أن تنسجم مع طبيعة الأمر الجزائي، لا سيما طابعه غير الوجاهي، فالتسبيب يجب أن يكون بسيطا جدا يتضمن الإشارة أساسا لثبوت الجريمة للمتهم بناء على محضر الضبطية القضائية مثلا ( حيث أنه و بالرجوع إلى نتائج تحقيق مصالح الضبطية القضائية فان الوقائع ثابتة في حق المتهم، مما يتعين معه ادانته بعقوبة الغرامة، ولكون الوقائع قليلة الخطورة لا تستوجب توقيع عقوبة الحبس، كما أنها لا تمس بحقوق الضحية، فانه يتعين إدانة المتهم بارتكابه ما نسب إليه و عقابه طبقا للقانون) وإن كان يظهر من خلال هذا التسبيب انه بسيط لكنه ينسجم مع طبيعة الأمر الجزائي وطبيعته المبنية على تبسيط الإجراءات من بدايتها إلى غاية صدور الأمر الجزائي.
و- الاعـــــــــتراض عــــــــلـــــــــى الأمـــــــــر الــــــــجـــــــــزائي :
للنيابة حق الاعتراض على الأمر الجزائي وذلك خلال أجل عشرة أيام من تاريخ إحالة الامر الجزائي عليها، و يبلغ المتهم بالأمر الجزائي بأي وسيلة قانونية، ويكون له اجل شهر واحد من الاعتراض على الأمر الجزائي، وفي حالة عدم اعتراضه ينفذ الامر وفق قواعد تنفيذ الأحكام الجزائية، و في حالة الاعتراض فان أمين الضبط يخبر المتهم شفاهة بتاريخ الجلسة ويثبت ذلك في محضر( المادة 380 مكرر 04 من قانون الإجراءات الجزائية )، يترتب على الاعتراض سواء من طرف النيابة أو المتهم أن تعرض القضية أمام محكمة الجنح التي تفصل فيها بحكم غير قابل لأي طعن  إذا كانت العقوبة المحكوم بها تتضمن عقوبة سالبة للحرية أو غرامة تفوق عشرين ألف دينار جزائري بالنسبة للشخص الطبيعي أو مئة ألف دينار جزائري بالنسبة للشخص المعنوي،( المادة 380 مكرر 05 من قانون الإجراءات الجزائية) و يجوز للمتهم التنازل صراحة عن اعتراضه قبل قفل باب المرافعة وعندها يستعيد الأمر الجزائي قوته التنفيذية ولا يكون قابل لأي طعن.
( الــــــــمــــــــادة 380 مـــــــــكـــــــــرر 06 مـــــــــن قانون الإجراءات الجزائية)
- لم يتطرق المشرع لحالة عدم حضور المعترض جلسة الاعتراض المبلغة له شخصيا، بما يفيد بان المحكمة هنا تتصدى لموضوع القضية بغض النظر عن حضوره أو غيابه ويكون الحكم هنا حضوريا اعتباريا طبقا لنص المادة 347 من قانون الإجراءات الجزائية، طالما أن المعترض قد بلغ بالجلسة شخصيا و هنا أيضا لا مجال للحكم باعتبار الاعتراض كان لم يكن كما هو الحال بالنسبة للمعارضة، لعدم التنصيص على هذا الجزاء في قانون الإجراءات الجزائية، و يعتبر الأمر الجزائي في مادة الجنح إجراءا فعالا للتقليل من عدد القضايا في جداول المحاكم الجنحية و الغرف الجزائية بالمجالس القضائية، وذلك لإجراءاته المبسطة و لسرعة الفصل في القضايا المحالة بناء عليه ، وحبذا لو يتم توسيع هذا الإجراء لمادة المخالفات.

الخاتمة:

- إن المشرع استحدث طرقا جديدة لتبسيط الإجراءات و للحد من تضخم القضايا المعروضة أمام المحاكم، و للموازنة بين الضمانات الدستورية المنصوص عليها لصالح المتهم من جهة، و بين تبسيط و تسريع الإجراءات من أجل حسن سير المرفق العام المتمثل في مرفق العدالة، و تتمثل هاته الطرق في اجراءي المثول الفوري و الأمر الجزائي، و ان كان تطبيقهما لا يزال حديثا في القانون الجزائري، الا أنه من المؤكد أنهما سينقصان من تراكم القضايا الجزائية على المحاكم مع ضمان حقوق المتهم و الضحية.

الموضوع الأول: نظام و اجراءات المثول الفوري و الأمر الجزائي مراجعة Toufik يوم 11:17 ص التقييم: 5
جميع الحقوق محفوظة // جديد القوانين الجزائرية © 2017 - 2018
تعديل Toufik Ben

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.